في زمن المناخ المتغير.. صواعق تشعل الغابات وتذيب الجليد وتزرع الموت
في زمن المناخ المتغير.. صواعق تشعل الغابات وتذيب الجليد وتزرع الموت
تشير دراسات حديثة إلى أن أزمة المناخ لا تكتفي بزيادة حرارة الأرض أو إذابة الجليد، بل تغيّر أيضًا طبيعة النار نفسها، فالصواعق، التي طالما كانت ظاهرة طبيعية عابرة، تتحول اليوم إلى شرارة متزايدة لحرائق غابات مدمرة، ويتوقع العلماء أن تصبح أكثر تواترًا لعقود قادمة، مع ما يترتب عليها من تهديدات متسلسلة تمس السلامة العامة والصحة البشرية والاقتصاد العالمي.
حرائق الصواعق غالبًا ما تندلع في مناطق نائية، بعيدًا عن التدخل البشري السريع، ما يمنحها فرصة للتوسع والانتشار على نطاق واسع، ونتيجة لذلك، تصبح أكثر فتكًا من الحرائق التي يسببها الإنسان، إذ تُنتج أعمدة ضخمة من الدخان تغطي القارات وتؤثر على جودة الهواء، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
في الولايات المتحدة وحدها، أودى دخان حرائق الغابات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية بحياة ما يقرب من ألف شخص سنويًا، وتقدّر الدراسات أن الرقم قد يقفز إلى أكثر من عشرين ألف وفاة سنويًا بحلول منتصف القرن، فيما يشبه "وباء صامتًا" سببه الهواء المسموم.
الكارثة عابرة للحدود
تؤكد الأبحاث أن الظاهرة ليست أمريكية فحسب، فقد شهدت أوروبا هذا العام أسوأ موسم حرائق في تاريخها الحديث، مع اندلاع نيران واسعة في إسبانيا بسبب الصواعق، أما في كندا فقد التهمت الحرائق ما يفوق ضعف المساحة الطبيعية للغابات، وكان معظمها ناجمًا عن البرق، هذه الحرائق لا تهدد فقط الحياة البرية والبشر، بل أيضًا المخزون الطبيعي للكوكب من الغابات، التي تعد رئة الأرض.
وعلى مدى أربعين عامًا، تزايدت العواصف الرعدية في غرب الولايات المتحدة، من وادي كاليفورنيا إلى جبال روكي، ومع ارتفاع درجات الحرارة وتراجع رطوبة التربة والهواء، تزداد قابلية الغابات للاشتعال بمجرد ضربة برق واحدة، وفي بعض المناطق مثل الصحراء الجنوبية الغربية، لا يتغير عدد العواصف، لكن الحرائق تتضاعف بسبب الجفاف المستمر.
لا تتوقف تداعيات الصواعق عند الحرائق، فبعد أن تُحرق الغابات، تُصبح الأرض عارية أكثر وعرضة للفيضانات المفاجئة والانهيارات الطينية، كما يترسّب دخان الحرائق على الأنهار الجليدية في كندا وجرينلاند وأوروبا، مكوّنًا طبقة داكنة تُسرّع الذوبان، ما يضاعف أزمة المناخ ويزيد من خطر ارتفاع مستويات البحار.
من أبرز التحديات أن هذه الحرائق تستنزف قدرات الاستجابة للطوارئ في الدول، فمجرد عاصفة رعدية جافة قد تشغل مئات رجال الإطفاء لأسابيع، ما يترك المدن عرضة لأزمات جديدة، وفي الولايات المتحدة، تزداد الأزمة تعقيدًا مع نقص الكوادر، حيث ظلت ربع وظائف مكافحة الحرائق في هيئة الغابات شاغرة مؤخرًا، وسط تخفيضات في الميزانيات الفيدرالية.
البشر بين الدخان والخسائر
لا يقتصر أثر الحرائق على الأرواح، بل يمتد إلى الاقتصاد أيضًا، في قطاع التأمين، مثلًا، يتحمل مليارات الدولارات من التعويضات سنويًا، كما حدث في لوس أنجلوس هذا العام، ومع توسع المدن في المناطق المعرضة للحرائق، تصبح الممتلكات والأرواح في قلب الخطر، في ظل نظام استجابة منهك وموارد محدودة.
يرى خبراء أن مواجهة هذه الظاهرة لا تقتصر على الإطفاء، بل تبدأ من التخطيط العمراني والزراعي، ويقترح بعضهم إعادة إحياء "الأحزمة الزراعية" التي تحيط بالمدن وتشكل حواجز طبيعية أمام النيران، إضافة إلى تحسين معايير البناء لمقاومة الحرائق.
ويشدد العلماء على أهمية فهم دور "رطوبة الوقود الحي" –أي نسبة الماء في النباتات والأشجار– في التحكم في سرعة انتشار الحرائق.